القراءة , الثروة التي لا تكلف شيئا لجمعها

السبت، 24 أبريل 2010

الوتر الخامس









هذي زهور الوادي , ما عاد تبرجهن و لا سفورهن يستثير
سوى ضحكات الحمقى القادمين من المدينة
لم يعدن عندهم فاتنات , يأتي الربيع و يذهب الربيع
و أنا وحدي من يرى فيهن الفتنة و الغواية ..
وأنا وحدي من يستر فيهن المياسم
و يقبل إذا جن الليل فيهن المباسم
وهن وحدهن من لا يرين فيّ صعلوكا
هن اللائي كل شهورهن طهر
وأنا وحدي إذا غفلت النجوم و اختلسن الخطوات
نحو البئر يستحممن في مائها
أشرب منها حتى يفيض في عيني الماء
و أعرف لماذا حين يأتي الصباح يظهر على الزهور آثار البلل .

***
يا من يشتري ظمأي بوتر خامس كلما جن الليل بكى
وراح يستخرج الأموات من قبورههم
و يكذب عليهم : أنهم لولا ماتوا من تلقاء أنفسهم ما ماتوا
و أن الحياة و الموت وجهان لعملة واحدة
يعتذرون إليه : لاشيء عندنا نلبسه
و كأن هناك من يأبه لعورات الأموات
وأظل أقبل في الزهور المباسم
و أستر فيهن المياسم
وفي كل شيء سواهن من الزاهدين
حتى إذا استوى الليل و أمطرت السماء بنات هوى
و أخذن يمتحن زهدي وتقواي
( بتحبني و إلا الهوى عمره ما زارك
بتحبني و إلا انكتب ع القلب نارك .. )


***

يا من يشترى مني هذا الشاي و القداحة و الأرجيلة المحنطة
و النافذة و القمر الذي ورائها
وما أغنى القمر عن رجال قريتي حين كانوا يجتمعون تحت السدر كل ليلة
يقايضون الدهر
يعطيهم تبغا و يعطونه من أعمارهم أياما
يبتزهم الليل حتى إذا بكوا أعطاهم نجوما و بضع أغنيات
نفثوا الدخان هنا فتلاشوا , وبقي الدخان يتكون كل عشية
أشباحا على هيئاتهم , فإذا ذعرت , قالوا لي :
جئنا نلعب ونحن في قبورنا آمنين

يا من يشتري نزقي بهذا الليل ؟


***

ألا حمقاء مثلي
تكافؤني نسبا رفيعا و حسبا مضيعا
تتعاطى معي - في غفلة الزهور -القبلات الممنوعة
و الرضاب مرتفع الكحول
إني إذا سكرت بالرضاب صحت في كل الأحقاب :
آدم يا أبي أخرجت من الجنة معكم .. فما خطيئتي أنا ؟
و أسمع نشيجا يأتيني من كل فج :
هكذا أنت يا بني
صحوة فغفوة
نشوة فنشوة
وخطيئة في كل خطوة
فمن يلوم أصحاب العقول إذا جنوا ؟
و من يلوم النائمين إذا أرقوا ؟

***


يوم ولدت
انطفأ سراج جدتي
و انكسرت جرة الماء
و حين بلغت العاشرة مسح البستاني على رأسي
وقال لي : إن لك يا بني لشأنا
فهذا شأني مع الليل كل ليلة
منذ أن تنطفأ الشمس في البحر
وحتى تظهر أخرى متوضأة بماء الخليج
منذ خلقت لم تخرج البهجة إلى وطني
ومذ خلقت في وطني لم أخرج أنا من كفني
ويوم ماتت جدتي : رممت الجرة و أصلحت فتيلة السراج
ووقفت بجوار نعشها : جدتي ها كل شيء قد عاد كما كان
ولما لم ترد علي : كمدا حطمت برأسي الجدار .
***
و يا أخوتي في الليل
المعدمين و المعدومين في المقاصل و بالسيوف و بالرصاص
الراحلين و المحتضرين
والواقفين على أسنة اليتم
و الذائقات من قهر الثكل
و الأخوات الأرامل
الناظرات إلى الصور المهترئة
والبراويز الآيلة للسقوط
إن من الأغنيات ما يعرج بنا إلى السماء
و إن من الصباحات ما لا ليل لها

***
صلاة الصبح : كوني شفيعتي عند متع النهار
و صلاة المغرب : ألوذ عندك من وجع الليل