القراءة , الثروة التي لا تكلف شيئا لجمعها

الجمعة، 4 مارس 2011

و الأغلال التي في رؤوسهم .





                                                 
يا أيها الذي جاء إلى هذه الحياة حرا , فتكاثرت وتكالبت القيود عليك ساعة إثر ساعة , ويوما بعد يوم , حتى إذا تناصف عمرك فإذا القضبان أمامك و الجدران خلفك .. و الأغلال في يديك .
أنت اخترت أن تكون عبدا .. أنت الذي التقطت القيود من على الأرض فوضعتها في يديك , أنت الذي قايضت الأفق الفسيح بغرفة السجن , آمنت أن الغرفة تكفي و أكثر لكل نزعة فطرية نحو الحرية بداخلك , فضلت مساحة الغرفة على فساحة المكان خارجها , زججت بنفسك في داخل الغرفة .. أحكمت الإغلاق وبلعت المفتاح .
لا أغلال إلا في رأسك , العقول هي المكبلة , التفكير هو المحاصر في دوائر ضيقة , و الأفكار هي التي لا تستطيع القفز من فوق الأسوار , في الرأس يقبع مَثَليك وزنا وثقلا كي لا تذهب بعيدا , كي تبقى بقرب كل ما هو معتاد , ولتتم صناعتك على عين كل ما هو مألوف و طاغوت , كي لا تختفي أبدا عن العين المتربصة و المراقبة , وكي تختفي دائما عن نفسك وكي تختفي أيضا خلفها , ولكي تفضل الانتحار على أن تستمع لقلبك الذي يناشدك بالله العزيز الحكيم بعض الحرية و بعض الفرجة .
جئت إلى هذه الحياة ممتلئا حرية , سقطت من رحم أمك صغيرا ضعيفا , إلا الحرية كانت حينها فيك أكبر منك , كانت تفيض عنك إلى غيرك فتأتي عليهم كالضحكات كالبسمات , كالتكشف للنسائم , كتعري الحقائق , كحل كل قيد , ككسر كل غل , كالخروج من كل سجن .
وأنت في ستة أشهر من عمرك , كانت يداك ضعيفتان واهيتان , لكن كنت تنتفض إذا ما أمسك أحدهم بهما , ترفض أن يحيط إبهام وسبابة بمعصميك ولو بلطف غير تلك التي هي لأمك , لم تكن تستخدم رجليك في ذهاب ولا إياب , ولكن تسخط إذا أوقف أحدهم لهوهما , و تقطب على نحو طفولي جبهتك و تتعالى صيحاتك إذا حال حائل بين عينيك و بين ما تريد أن ترى و تبصر .
من علمك بعد ستة أخرى المشي , بل من أوحى إليك أن بإمكانك الوقوف , من ألهمك الصبر على السقطة إثر السقطة , و العثرة تلو العثرة , وكل ما التأم جرح جد بسبب الخطوات الأولى جرح , تتمرد في كل مرة على محاولات من حولك لثنيك رأفة بك و شفقة من آلام و جراح السقوط .
ألا تشي لك تلك الجراح الأولى أن ثمن الحرية دماء و أشلاء ؟ و أنها – أي الحرية – أول شيء امتلكته بعد سقوطك من بطن أمك ؟ وأنها آخر شيء تتخلى عنه قبل أن تموت ؟ بل تشبث بها و أنت تحتضر , ادخل قبرك بمعيتها , اصعد إلى ربك إن استطعت بها , فكمال عبوديتك له تقتضي تمام حريتك .
فمالك تأخذك الرغبات إلى حيث لا ترغب , و الشهوات إلى حيث لا تشتهي , مالك تقاد إلى حيث لا تريد الذهاب , و تُقوّل ما لا تريد أن تقول , ومال هذه الأغلال من فوقك و من تحتك و عن يمينك و عن شمالك ؟
الأغلال أوهى من إرادتك , وقابلة للكسر أمام تصميمك .
لعنة الله على الأغلال , على القيود , على السجون , على القضبان , وحتى على الكلبشة .
نصيحة : 
لا تقبل النصيحة حتى تتأكد أنها سليمة , تأتيك الأغلال أحيانا والقيود في هيئة نصائح .