القراءة , الثروة التي لا تكلف شيئا لجمعها

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

مسرحية


المشهد الأول : 
المسرح : مزرعة أبي التي زارتها السيول قبل سبعة عشر يوما , المياه على وشك الجفاف , ماعدا بقع أرادت عناق المياه أطول فترة ممكنة , رؤوس خضراء تتبدى من باطن الأرض , الى سطحها , وأخرى استطالت فوق الأرض حتى خصرها , هذه الرؤوس , سدور و حشائش ونباتات أخرى وورود ,السماء تدل أن النهار في آخره ,
- ( أنا ) اظهر على المسرح , بجواري حيوانات تتفاوت طولا وعرضا , أبقار وماعز وظأن ,تتداخل وتتخالط في تناغم يفتقده البشر , لا عنصرية بين الحيوانات , الأرض أرض الله , والكلأ مستباح للجميع , 
(أنا ) لم أفلح في صنع " ناي " من خشب التين المجوف , رحت أحاكي صوته بشفاهي , اضم شفتاي و ابسطهما , وانفخ فيهما من تجويف فمي هواءً , الضم والانبساط , ليس عبثا , هذا ماتمليه عليّ نوتةٌ في دماغي ,
( أنا ) منتشي كما ينتشي الصغار بالطبيعة الأخاذة , اعزف للقطعان أمامي , وتكافئني بأصواتها التي , لا أحسبها الا تصفيقا , 
أحيانا قد أتطفل على عناق الأرض للماء , اخلطهما كما يخلط الرسام الألوان على لوح الألوان , اصنع من الطين والماء , قرى وأزقة وأشجار , ثم أهدمها بقدمي , 
ينتهي المشهد بغروب الشمس التي أتجاهلها , ويذكرني بها أذان جدي للمغرب , 

المشهد الثاني : 
المسرح : شقة استأجرتها على أمل تركها قريبا قريبا ,
(أنا ) داخل شقة في مدينة أعمل فيها , الشقة لا تدخلها الشمس ولا الهواء , استعضت عن الشمس بالمصابيح , وعن الهواء بالمكيفات , 
في شقتي , لا شيء يدل على الحياة , لا شيء عضوي فيها , غيري أنا وابنتي الصغيرة و امرأة أخرى , 
( أنا ) احسب كل ثانية لأخرج من هذه المدينة الى قريتي التي فيها مزرعة أبي , 
في هذه المدينة , لا أرى شيئا مما ألفته في صغري , الشقة الكبيرة لا اعتبرها الا سجن كبير , المدينة , لا اعتبرها الا قلعة من احدى قلاع القرية , وهكذا فاني شقتي أرحب من هذه المدينة , كل شيء استخدمه , التلفاز والانترنت والسيارة ومكتبي والناس الذي أصادفهم , لا يمنحوني السعادة التي كنت أحظى بها وأنا ادندن لقطعان البقر والماعز و الضأن , 
الليل في المدينة يتداخل مع النهار , لا فواصل بينهما سوى عقارب الساعة , ولا عجب , فالشمس حالت بيننا وبينها الجدران , الطيور لم تعد تسعد الناس , فما عاد الناس يصغون لشقشقاتها , والورود , رغم ألوانها المتباينة , لا روائح لها , لا يفوح منها سوى روائح مصانع السماد الكيماوي , الأشجار أوراق خضراء صغيرة لا خشب ولا لحاء لها , كأنما يسقيها الناس من عل , وهذا مايفسر توقف الحاملات عندها كل صباح , 
جاري الذي يفصل بيني وبين بابه ثلاثة امتار , لا اعرفه , وقد كنت أزور جدتي لأمي كل خميس , قاطعا كيلا ونصف ,


و بين المشهدين تستلقي أربعة عشرة عاما 



11 / 4 / 2008


هناك تعليق واحد:

  1. استمتعت بالمشهد الأول وعشت لحظاته !!

    هل حياتنا عبارة عن مسرحية كبيرة ؟

    14 عاماً مابين المشهدين ... تخللها العديد من الفصول و المشاهد ننتظرها !!

    دمت مبدعاً

    ردحذف

(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد)

يسعدني تعليقك