القراءة , الثروة التي لا تكلف شيئا لجمعها

السبت، 25 يونيو 2011

الارتطام بالزيف لحظة صدمة .


- تحتل كرسيها في مقدمة القاعة بعد أن وضعت سجلاتها على الطاولة و الكوب يهبط بجوار السجلات متأخرا , لأنها ربما تريد أن تخبرنا بطريقة لا تقول فيها شيئا أنها أكثر المدرسات ارتباطا بالقهوة , وبعد هذا التلميح تقول : أنها اليوم بالذات لو أخفقت في التوصيل السريع للمعلومة , أو ارتكبت خطأً من أي نوع .. فذلك لأنه الكوب الأول , وتترك لك تخمين كم كوب تشربه في الصباح , اثنان .. ثلاثة .. أربعة .. لكنها أعداد بسيطة لاسيما و أن العدد يشكل فرقا من حيث ارتكاب خطأ من عدمه وبالتالي لابد أنها خمسة فأكثر.. لكنها لا تترك لك خيار أن تخفي الدهشة .. لابد أن تعبر , تظل تتفقد وجوه كل الطلبة باحثة عن أي سحنة من سحن التأثر و متوسلة هذه الوجوه نصف النائمة ردة فعل منافقة, ولا بأس أن تبالغ في التعبير .. مهايطية لا يفوتهم أي شيء أضاعت هذا الصباح و كل صباح فيقولون : "عزيزتي , لابد وأنك مدمنة قهوة ", و آخرون لا يقلون هياطا يقولون : " ما عليك شرهة , أصله ستار بكس ماله حل " على نحو يذكرك بما يناله أي موضوع فارغ – كهذا الموضوع – من ردود لأن خلفه رائحة أنثى ولو زائفة, و يابانيون يكتفون بــ"يا إلهي" ولا تدري أي إله من الآلاف في ديانتهم يقصدون .. المهم في الأخير ورغم أنك في بيئة تعليمية هي الأرقى في العالم , ينتهي بك المطاف -لو سارت هذه المحاضرة على نحو سيء- في مواجهة كوب قهوة فارغ تحمّله هي كل بلاهة ترتكبها .و القهوة من تلك التي تشعرك و أنت تشربها بأنك تحكم فكيك عضا على قطعة من الاسفلت , تنفيذ و صيانة آل مرطان .
- تنهض و تملأ السبورة بالألوان , رحلتك اليوم في درس الكتابة لابد أن تمر بكل حقول الألغام هذه :
أكتب مقالة من خمسة أجزاء ملتزما بالخطوات التالية :
1. موضوع التعبير : "............................................" .
2. رسم للعصف الذهني و تجميع الأفكار .
3. تخطيط مبدئي للمقالة .
4. بما أن موضوع الكتابة هو "......................................." فبالتالي نستبعد النقاط التالية : "........................" , "................" , ".........................." , "................................" .
5- كل جزء من الأجزاء الخمسة يحتوي على : جملة موضوعية , جمل مساندة للجملة الموضوعية تتنوع بين : حقائق و أراء و أمثلة . و كل جزء من المفترض ألا يقل عن ست جمل كاملة ومفيدة .
6- لا تنس أن تترك خمس مساحات فارغة في بداية كل جزء , وأن تستخدم علامات الترقيم الصحيحة , و الإملاء الصحيح ... إلخ .
- في ربع ساعة تكون هي انتهت من هذه الإملاءات , تعود إلى مقعدها و تتركك تستنزف كل ما في دماغك للكتابة في موضوع سخيف و في مساحة ضيقة و بأدوات زائفة .. لمدة ساعتين و نصف.
- يتضح في النهاية أن العمل العظيم , الذي تقوم به و ستحمّل كوب القهوة الوحيد أي خطأ – لا قدر الله – يتخلله, هو الجلوس على هذه الطاولة .
-تنتهي الساعتان ونصف وتكون للتو فرغت من المقالة ولا فرصة متاحة للمراجعة لضيق الوقت , وحتى لو كان هناك وقت لن تراجعها لأننه ببساطة , ارتكب الحول في عينيك فعلته .. أصابعك متشنجة , و تريد فرصة أن تتصرف , تتحدث , تكتب على طبيعتك و بإملاء منك لا من أحد.
- في اليوم الثاني , لن تنسى هي أن تخبرك رقم كوب القهوة الذي في يدها ضمن طوابير الأكواب التي تنتظر ارتشافها, و تسلمك ورقة الأمس ولأول و مرة تكتشف بقع العرق التي تركتها يدك المجهدة , تتفقد الثلاث صفحات, لا يوجد أخطاء كبيرة .. هناك ربما في ألف كلمة , اثنا عشر كلمة وضع تحتها خط , خط بدون تعليق أو تصويب, و أثناء المناقشة تكتشف أن المسألة ليست مسألة صواب أو خطأ , المسألة مسألة : يُفضل , يُستحسن , كان سيبدو أروع لو .. وهكذا , هي في الحقيقة لا تهتم , فقط تريد أن تخبرك أنك كائن غريب و متطفل على اللغة وأنك مهما بلغت في الإجادة فلن تكتب مثل أمريكي , ستظل دائما و أبدا "أجنبي". و كعربي تستيقظ فيك كل شعارات الخنوع و النقص, تحس بمظاهرة تكبر شيئا فشيئا في صدرك شعارها "عقدة الخواجة" , ومن جهة أخرى , مسيرة تتجول في كل غرف قلبك الأربع ..تصيح بصوت واحد , أن على الطرف الآخر "امرأة" , إضافة لكونها أمريكية -تعود إلى مقعدك بعد أن رشوتها بقليل من "النفاق" تعليقا على مفتاح سيارتها "الفولكسفاجن" .. هو نفاق صحيح , لكنها تظل تبتسم بعد كل جرعة لنحو خمس دقائق متواصلة , إن كانت المجاملة على مفتاح سيارتها , أو تسريحة شعرها , الجلاكسي تابلت , أو قهوتها , فهذا لايهم .
- تأتي نهاية الأسبوع , تريد يومين يكنسان فيك كل النفاق و الهياط الذي مارسته طيلة اسبوع دراسي كامل, تريد جليا كاملا و غسيلا نظيفا لأطباق قيمك و من ثم ترتيبها على رفوف صدرك , تريد أن تنشر شراشفك التي أوصاك أبوك ألا تدنسها بنوم مع أي غدرة أو خيانة قيمية .
-وفي اليومين تريد أن تستغل طقوس الكتابة التي علموك إياها و جعلوك تعتاد عليها , و على الحول و شلل الأصابع لساعتين ونصف , فتكتب هذه المرة عن وطن اقتلعتك الأقدار منه كجذور حطيبة و رمتك في مواقد الغربة تتعذب فيها و لا تحترق فتموت , عن أبوين يهرول بهما العمر فلا تدري أيكما و الموت يسبق إليهما قبل خط النهاية , عن امرأة تحترق فوق لهب الشوق , و عن طفلتين كلما هاتفتهما تعاتبانك على أن أذقتهما أيام اليتم بابتعادك وأنت لازلت حي ,
- دوافعك حقيقية هذه المرة غير مزيفة .. لكن تكتشف أن ريشتك الحبلى بالحبر, تجهض فقط أو تلد زيفا , لغتك الأولى و التي جئت تتعلمها , تصبحان في حنجرتك معطوبة و معطلة .. و ساعتئذ البكاء وحده لغتك التي تجيد أيها المزيف .

هناك تعليق واحد:

  1. فتكتب هذه المرة عن وطن اقتلعتك الأقدار منه كجذور حطيبة و رمتك في مواقد الغربة تتعذب فيها و لا تحترق فتموت , عن أبوين يهرول بهما العمر فلا تدري أيكما و الموت يسبق إليهما قبل خط النهاية , عن امرأة تحترق فوق لهب الشوق , و عن طفلتين كلما هاتفتهما تعاتبانك على أن أذقتهما أيام اليتم بابتعادك وأنت لازلت حي , "

    آيه ياعلي حروفك حركت فينا ما نحاول ان ندارية بتصنع اللحظات السعيده ... هكذا هية غربة الابتعاث لست الوحيد من يدفع الثمن وانما اناس حولك لاذنب لهم الا انهم يتمنون لك ان تكون آعظم شئي في الدنيا ... اصبر وصابر وكن كما يتمنونك فهذاء عزاءهم الوحيد

    ردحذف

(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد)

يسعدني تعليقك